[center]
بسم الله الرحمن الرحيم
اسعد الله مساءكم احبتي
...
الحمدلله والصلاة والسلام على محمد
تحية عطره وبعد
كثيرة هي أمراضنا ومعاناتنا وآلامنا، سواء النفسيّة منها والجسديّة،
وقليلة هي أبحاثنا الصادقة التي تُعنى بكشف تلك الأمراض
وإزالة تلك المعاناة وعلاجها. إن النفس الإنسانيّة بحاجة إلى اكتشاف واستنارة بجهد كل الباحثين الجادّين، للوقوف على بعض أمراضها، التي تتطلب وعيًا أكثر للتنبّه لها،
ودقّة في التعامل معها، حيث يتطلب الالتفات إليها المزيد من الاطلاع على الأمراض النفسيّة.
والمرض النفسيّ كغيره من الأمراض العضويّة، قد يصيب أيَّ واحد منّا، وهو ليس وصمةَ عارٍ أو خطأ أو عقابًا إلهيًا،
إنما هو داءٌ يحتاج إلى دواء عن طريق المختصين بالطب النفسي، ويتعرض للإصابة به الصغار والكبار على حدّ سواء، وهو على أنواع.
وإنما نؤكّد على الأمراض النفسيّة لأنها خفيّة وأشد خطورة أحيانًا من الأمراض العضويّة إن لم يتم اكتشافها أو لم تأخذ حقّها من العلاج الصحيح.
واليوم سنتحدث عن احد هذه الآمراض وَهو
[ الوسواس.
وسنحاول آن نتحدث عن الوسواس من جميع المحَاور
فكونوا معنا اسعدكم الله
مَا هو الوسواس القهري
هو إيمان المرء بفكره معينة تلازم المريض دائما وتحتل جزءًا من الوعى والشعور مع اقتناع المريض بسخافة هذا التفكير
و تكون هذه الفكرة قهرية أي أنه لا يستطيع إزالتها أو الانفكاك منها
مثل تكرار و ترديد جمل نابية أو ذهن المريض أو التكرار وأحيانا قد يؤذي المصاب به نفسه جسديا كالمصابين بمرض هوس نتف الشعر،
وقد تحدث درجة خفيفة من هذه الأفكار عند كل إنسان فترة من فترات حياته، ولكن الوسواس القهرى يتدخل ويؤثر في حياة الفرد واعماله الاعتيادية وقد يعيقه تماما عن العمل ..
..
و نسبة هذا المرض تتراوح ما بين 1% - 3 % من البشر، وربما كان ضعف
هذا الرقم قد عانوا من هذه الحالة المرضية في فترة ما من حياتهم ..
يتضمن مرض الوسواس القهري عادة أن تكون هناك وسواس وأفعال قهرية على الرغم من أن المصاب
بمرض الوسواس القهري قد يعاني في بعض الأحيان من أحد العرضين دون الأخر. ومن الممكن أن يصيب هذا المرض الأشخاص في جميع الأعمار
..
ويجب أن نلاحظ أن معظم الوساوس القهرية لا تمثل مرضا
فالمخاوف العادية -مثل الخوف من العدوى بمرض ما والتي قد تزيد في أوقات الضغط العصبي كأن يكون أحد أفراد الأسرة مريضًا أو على وشك الموت-
فلا تعتبر مثل هذه الأعراض مرضًا ما لم تستمر لفترة طويلة، وتصبح غير ذات معنى،
وتسبب ضغطًا عصبيًا للمريض أو تحول دون أداء المريض للواجبات المناطة به أو تتطلب تدخلا طبيا
...
يحاول الأشخاص المصابون بمرض الوسواس القهري في العادة أن يخففوا من الوساوس التي تسبب لهم القلق عن طريق القيام
بأعمال قهريه يحسون بأن عليهم القيام بها.و تسبب أعراض الوسواس القهري القلق والتوتر وتستغرق وقتًا طويلاً وتحول بشكل كبير بين قيام المرء
بعمله وتؤثر في حياته الاجتماعية أو في علاقاته بالآخرين
لا يوجد سبب واحد محدد لمرض الوسواس القهري
و تشير الأبحاث إلى أن مرض الوسواس القهري يتضمن مشكلات في الاتصال بين الجزء الأمامي من المخ
(المسئول عن الإحساس بالخوف والخطر والتركيبات الأكثر عمقًا للدماغ
(العقد العصبية القاعدية التي تتحكم في قدرة المرء علي البدء والتوقف عن الأفكار) ..
..
يعاني حوالي 60 - 90% من المصابين بمرض الوسواس القهري من حالة اكتئاب واحدة على الأقل في أحد مراحل حياتهم.
وبعض مدارس العلاج السلوكي تعتقد أن مرض الوسواس القهري يسبب الاكتئاب بينما يعتقد آخرون أن مرض الوسواس القهري يتزامن مع الاكتئاب ..
..
الوسواس القهري بين علماء الدين وأطباء النفس ..
الوسواس القهري هو عبارة عن فكرة غير منطقية متكررة و مستمرة لا يستطيع المريض مقاومتها وقد يصاحبها سلوك قهري يمارسه المريض لتخفيف
القلق الناتج عن الفكرة الوسواسية واستجابة لها ، مما يسبب للمريض قلقاً وانزعاجاً و يضيع وقته و يؤثر على حياته اليومية ؛
وقد يسبب له مشكلة اجتماعية بسبب الحرج الذي تسببه هذه التصرفات أمام الآخرين ، مما قد يؤدي بالمريض إلى اعتزال الناس أو المواطن والأحداث التي تسبب له هذه الوساوس
..
وأشهر مثال في مجتمعنا
هو وسواس الصلاة أو الطهارة ؛ فالجميع يؤدي وضوءه وصلاته بشكل يومي واعتيادي بينما يعتبره المريض تحدياً ؛ حيث تسيطر عليه فكرة وسواسية
( عدم اكتمال الوضوء مثلاً ، أو نسيان أحد الأعضاء في الوضوء ) بحيث لا يمكنه مقاومة هذه الفكرة وبالتالي يعيد الوضوء أو يكرر غسل العضو فوق الحد الطبيعي ،
أو يكرر قراءة الفاتحة أو الركوع والسجود أو يكرر الصلاة كاملة .. فينتج عن ذلك إضاعة للوقت و انزعاج بسبب هذه العادة بالإضافة إلى الحرج الاجتماعي
فبعض المرضى يستمر على هذه الحالة مع ما تسببه آنفاً ، و بعضهم تزداد حالته سوءاً فيوسوس في الوضوء والغسل والصلاة جميعاً مثلاً ،
وبعضهم يعتمد العزلة فلا يصلي مثلاً أو يصلي في منزله خوفاً من النظرة الاجتماعية السلبية ، والبعض يصاب بالاكتئاب نتيجة لكل هذا القلق والإنزعاج
والبعض يعاني من فكرة وسواسية فقط ؛ مثل المتعلقة بالذات الإلهية ، فيحاول مقاومتها لكنه لا يستطيع ويصبح في مقاومة وجهاد دائم
لهذه الفكرة تؤثر على حياته وتفكيره المنطقي ، وقد ينتج عنها شعور بالذنب ( كالخروج من الملة بسبب هذه الأفكار )
وما ينتج عنه من سلوك ( مثل ترك باقي فرائض الدين لأنه يعتقد أنه خارج من الدين وبالتالي لا فائدة من هذه الأعمال )
أو ينتج عن هذه الوساوس اكتئاب مرضي !
..
وعن أنواع الوسواس فمنه ما سبق عرضه ويسمى بالوسواس في الدين إجمالاً -
وهو المعروف في مجتمعاتنا كون الدين يمثل أهمية كبرى فيها - ولكن هناك أنواع أخرى في الطب النفسي منها على سبيل المثال :
وسواس النظافة والخوف من الجراثيم أو الوسخ : وفيه يعاني المريض من فكرة تسيطر عليه لا يستطيع ردها بأن يديه متسختين -
مثلاً - فيغسلها مرات عديدة - لدرجة تسبب له مضاعفات جلدية - و يتجنب لمس الأشياء بيديه ، وإن حدث ذلك فهو يذهب لغسلها فوراً وهكذا
وسواس الجنس : ومن أمثلته أن تدور في رأسه فكرة لا يؤمن بها ولا يتقبلها و لكنه لا يستطيع أن يقاوم ورودها على خاطرة فيما يتعلق بممارسة الجنس أو اللمس بشهوة ،
فعندما يلاعب إبنته الصغيرة أو أخته تأتيه الفكرة الوسواسية بأنه يمسها بشهوة فيحاول مقاومة هذه الـفكرة و طردها - وهو يعلم أنه لا يمس هذه الطفلة بشهوة - لكنه لا يستطيع !
فتؤثر على علاقته بمن يرتبط بهم هذا الوسواس وربما يسلك مسلك الابتعاد عن هؤلاء الأشخاص لألا يعاني من هذه الأفكار أو يتعامل بشكل جاف وفظ لتجنب ورود هذه الفكرة على باله
وسواس إغلاق الأقفال : فتجد الشخص يتأكد من كونه أغلق باب بيته أو سيارته مرات عديدة ويشغل باله بالتفكير في هذا الشيء ،
بل قد يصحو من نومه للتأكد من إغلاق الباب أو مفتاح الغاز !
وكل هذه الوساوس لأن الشخص يستحضر في ذهنه ما ينتج عن هذه الوساوس ؛ فمن يوسوس بأن وضوءه غير كامل يقول : بالتالي صلاتي غير مقبولة ، وبالتالي أنا غير مسلم ولا أدخل الجنة
ومن يوسوس في إغلاق مفاتيح الغاز يخشى من التسرب وبالتالي حدوث انفجار وحريق .. وبالتالي تكثر الوسوسة في الشأن الذي يهتم فيه الشخص عادة !
هذا توضيح مبسط لما يسمى عند العلماء بالوسواس
وما يسمى في الطب بالوسواس القهري .
التشخيص
:
ونعني به : متى يقال عن شخص معين بأنه مصاب بالوسواس القهري
ونبدأ هنا بالطب النفسي كونه يحتوي على شروط تشخيص الوسواس القهري معلومة ومحددة ويقسمونها إلى ( فكرة ) و ( سلوك ) ؛ وشروط الفكرة :
1 أفكار أو صورة لا يمكن للمريض مقاومة ورودها على خاطره ، متكررة ودائمة بحيث تسبب قلقاً وازعاجاً معتبراً
٢- يحاول المريض إيقافها ( لأنه يعتقد أنها خاطئة أو غير مقبولة ، أو سخيفة )
أما شروط السلوك الوسواسي ( تكرار الوضوء مثلاً ) :
١- سلوك متكرر إستجابة لفكرة وسواسية
٢- يفعله المريض لتخفيف القلق الناتج عن الفكرة الوسواسية
3- السلوك بحد ذاته يسبب إزعاجاً للمريض و يضيع وقته ( أكثر من ساعة يومياً ) ويؤثر على حياته اليومية ( وهذا ما يجعله يطلب العلاج سواءً من الطبيب النفسي أو العالم الشرعي )
....
أما تشخيص الوسواس - كمرض - عند العلماء الشرعيين ، فينحصر فيما يتعلق بالدين كالصلاة والطهارة و الأفكار المتعلقة بالله تعالى
والدين الإسلامي وأحياناً المتعلقة بالجنس كونه يتداخل بين الشأن الشرعي والشأن الاجتماعي ،
و هذا بطبيعة الحال كون من يستفتي العلماء لا يستفتيهم إلا في هذه الأمور كونها من تخصصهم
و يكون التشخيص غالباً بتكرار فعل معين نتيجة لفكرة وسواسية لها ارتباط ديني
( كقبول الصلاة ، أو الكفر والخروج من الملة في الوساوس في الذات الإلهية )
يشكو المريض منها ( وبالتالي المريض لا يراها تصرفاً طبيعياً أو فكرة طبيعية ) ولكنه في نفس الوقت لا يستطيع ردها ومقاومتها
ومن سمات الموسوسين
هناكَ من يقررُ عدمَ الخروج من البيت لأنهُ يخافُ ألا يغلق الباب أو ألا يغلقهُ جيدًا، فهوَ هنا إنما ينطلقُ من إحساسه بالمسؤولية
عن أمن وسلامة البيت، وأحيانًا يصل الأمرُ بمثل هذا الشخص في النهاية إلى إقناع نفسه وتبرير بقائه في البيت بأن يقول لنفسه
مثلاً "بقاؤك في البيت حريصًا على عدم الوقوع في الخطأ خيرٌ من تسيبك وتفريطك فيما أنت مسئول عنه فالندم لا يجيءُ إلا بعد فوات الأوان"،
فتراهُ يقررُ عدمَ الفعل لكي يجتنبَ الخطر Harm Avoidance وتعتبرُ صفةُ الرغبة في اجتناب الخطر ولو حتى كان الثمن هو الامتناع عن الفعل من صفات الكثيرينَ من الموسوسين.
وهناكَ من مرضى الوسواس القهري من يتألمُ إذا مشى في الشارع لأنهُ بالتأكيد يدوسُ على كائناتٍ حيةٍ! دونَ أن يدري وتراهُ في نهايةِ الأمر يفضلُ عدم السير!
وكأنهُ يحسُّ بمسئوليته عن الكائنات الحية كلها، وهناكَ من يجدُ نفسه مضطرًا إلى أن يعودُ بسيارته من حيثُ أتى ليستطلعَ الطريق الذي قطعهُ لتوه ليتأكدَ أنهُ لم يدهس أحد المارة،
وحدثَ ذلك كله من بعد أن داس الأوتوبيس الذي كان يسافرُ فيه كلبًا عبرَ الطريقَ فجأةً.
وهناكَ المثلُ الشهير للأم التي تخبئ كل السكاكين عندَ جارتها لأنها تخافُ من أن تذبح أو تؤذيَ أبناءها،
وتراها متألمةً جدًّا بسبب ذلك ولا تستطيعُ مسامحةَ نفسها وتبرر تصرفها هذا لنفسها بأن "عدم منع المصيبة إنما يساوي أن تتسبب فيها وأن تكونَ مسئولا عنها بالتالي".
وهناكَ من يمتنعُ عن الذهاب إلى أماكن العبادة لأنهُ سيتسببُ في غضب السماء على أهل الأرض لأنهُ تتسلطُ عليه أفكارٌ فيها تجرؤٌ على الذات الإلهية كلما دخل إلى مكان عبادته.
الوساوس فى انتقاض الطهارة من خروج ريح أو نقطة بول أو مذى أو لمس القدم للأرض أو طرطشة الماء أو لمس النساء.
الشك فى نجاسة البدن والملابس
و الشك فى طهارة الماء المكشوف.
و الشك فى نجاسة ما أصابه قليل الدم
تكرار الصلوات، وتكرار تسميع الأذكار حتى يتم إتقان نطق كل كلمة بدون تشتيت أو فقدان التركيز.
..
ليعلم الموسوس أن الوسوسة من الشيطان؛ ليثقل عليه العبادة حتى يعملها بكراهة وملل. وأن يعلم الموسوس أنَّ ما يفعله ليس مشروعاً، وليس دليلاً على ورعه أو تقواه كما قد يتوهَّم.