حياتُنا تُشبه دفترًا به صَفحات؛
كُلُّ صفحةٍ منه تُمثِّلُ يومًا نعيشُه بكل تفاصيله وأحداثه.
منها المُفرح والذي يَبعثُ في النُّفوس الآمالَ،
ومنها المُحزن والمُؤلم والذي قد يُعيقُ المسير فترة.
وفي إحدى صفحاتِ حياتِكِ أُخيَّة، قد تشعرين بالإحباط،
وتفقِدين الأمل، وتنظُرين للحياةِ نظرةً بائِسة يائِسةً،
والسببُ: ذنوبٌ فعلتيها، ومعاصٍ اقترفتيها، وحُرُماتٌ لم تُراعيها.
فتقولين مثلاً:
أنا مُذنبة، تملؤني الذنوب والمعاصي، تُؤرِّقني، تُذهِبُ النومَ عن عيني،
تُقطِّعُ قلبي، وتجعلُ ضميري يُؤنِّبني.
لكنِّي- مع ذلك- ما زلتُ مُصرَّةً على الذنب.
آهٍ ثم آهٍ لذنبي!
وهل هو ذنبٌ واحد؟!
إنَّها ذنوبٌ كثيرةٌ.
كيف أتخلَّصُ منها جميعها؟!
يا لها من كوارث تُحيطُ بي!
أأقولُ مُحادثة الشباب؟!
أم تركي للصَّلواتِ وعدم معرفتي بكيفية الصلاة أصلاً؟!
أم أقولُ تضييعي لكُلِّ العبادات؟!
بل دعوني أتألَّمُ وَحدي.
الذنوبُ أكثر من هذا، والقلبُ صار لا يتحمَّل.
يا لِثِقَل كاهلي من تلك الذنوب!
ويا لرُوحي المُنهَكة ولحياتي المُكتظة بالمثالب والعيوب!
بكيتُ وبكيتُ حتى أتعبتني عيناي من غزراة الدموع،
أشعرُ أنهما تكادان تعميان من كثرة البُكاء.
أشعرُ أنَّ قدميَّ لا تكادان تحملاني على السير.
حتى الطعام الذي كنتُ آكُلُه بشراهة، بِتُّ لا أستسيغُه.
ضعُفت قُوايَ، ووَهَن جسمي،
وأصبح الناسُ لا يُطيقون وجودي بينهم، ولا يُحِبُّونَ سماعَ صوتي.
لَكَم تمنَّيتُ الموتَ؛ لأرتاحَ مما أنا فيه.
فنقولُ لكِ أختاه:
لا تقنطي من رحمة الله.
إنْ كنتِ مُذنبةً، فكُلُّنا مُذنِبُون.
هل تظُنِّينَ أنَّ البشرَ معصومون؟!
لا عِصمةَ إلَّا لأنبياء الله عليهم السلام.
والبشرُ بطَبعهم يُخطِئون، وإلَّا ما شُرعت التوبة والاستغفار.
لكن حجم الخطأ والمعصية يختلفُ من شخصٍ لآخَر،
فهناك مَن يفعل الكبائر، وهناك مَن يفعل الصغائر.
ويبقى الذنبُ هو الذنب، صغيرًا كان أو كبيرًا.
تقولين إنَّكِ تمنَّيتِ الموتَ لترتاحي،
فمَن أخبركِ أنَّ في الموتِ راحةً؟!
لا تعلمينَ لو مِتِّ قبل هذه اللحظة كيف سيكونُ حالُكِ في قبركِ،
أتكونين في نعيمٍ أو في عذاب.
فالموتُ يكونُ راحةً لأقوامٍ، وعذابًا لآخَرين.
وقد قال رسولُنا صلَّى الله عليه وسلَّم:
(( لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ لِضُرٍّ نزلَ بِه، فإن كان لا بُدَّ مُتمنِّيًا للمَوتِ فليقلِ:
اللَّهمَّ أحيني ما كانتِ الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي ))
رواه البُخاريّ ومُسلم.
واحمدي اللهَ- عز وجل- أن أمَدَّ في عُمُركِ حتى عِشتِ هذه اللحظاتِ،
التي بدأتِ فيها تُفيقين، وتشعرين بخطأ ما كُنتِ تفعلين.
أتعلمينَ- أختاه- أنَّكِ شُجاعةٌ وجريئةٌ وفيكِ خير؟!
نعم فيكِ خير، بل خيرٌ كثيرٌ، لكنَّكِ غيرُ مُنتبهةٍ له،
ويكفي أنَّكِ اعترفتِ بذنبكِ، وأنَّ قلبكِ آلمَكِ من المعصية،
وأنَّكِ تسعين لإصلاح نفسكِ، وتطهير قلبكِ، والتَّخلُّص من ذنبكِ.
إنَّ قلبكِ يحملُ خيرًا كثيرًا، وأنتِ قادرةٌ- بإذن الله- على إظهار هذا الخير.
كم مِن أُناسٍ أساءوا وأذنبوا، وأصرُّوا على ذنوبهم،
بل رُبمَّا كابروا وعاندوا ولم يعترفوا بأخطائهم،
أو ادَّعَوا أنَّهم على خيرٍ وهم يعلمون جُرمَ أفعالهم!
وأنتِ- بفضل الله- اعترفتِ بخطئكِ،
فهذا يعني أنَّ فيكِ خيرًا مُختبئًا يحتاجُ أن تُظهريه.
وقد قال رسولُنا صلَّى الله عليه وسلَّم:
(( كُلّ بني آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التَّوابون ))
صحيح الجامع.
واحمديه- سُبحانه- أن ستركِ ولم يفضحكِ بين خلقه بذنوبكِ.
قد تقولين: لكنِّي ما زلتُ أُذنِبُ، ما زلتُ أعصي، ما زلتُ أُخطِئ.
فنقولُ لكِ: فتِّشي حولكِ، وابحثي عن الأسباب التي تدفعكِ لفِعل المعصية.
ولا تقولي: لا يُمكنني معرفة تلك الأسباب، أو أنَّ هذا مُستحيل.
لا يا أخيَّة، فقط كوني هادئةً، واثقةً بما عند الله سُبحانه من فضلٍ وخير،
راغبةً في التَّغيُّر الحقيقيِّ.
اجلسي مع نفسكِ، وقِفي وقفة تفكُّرٍ وتأمُّلٍ في حياتِكِ.
أحضري ورقةً وقلمًا، ودَوِّني ذُنُوبَكِ التي تُؤرِّقكِ،
ثم انظري حولكِ، فحتمًا ستجدين لهذه الذنوب أسبابًا،
فالمَرءُ لا يُولَدُ مُذنبًا ولا عاصيًا.
اكتبي تلك الأسباب؛ لتجدي لها العِلاجَ المناسِبَ الناجِعَ.
هيَّا أخيَّة، سارعي بإحضار الورقة والقلم، ودَوِّني أسبابَ وقوعكِ في المعصية.
ولتكوني صريحةً في ذلك، صادقةً في عرض الأسباب،
ولا تمنحي الشيطان فرصةً لخِداعكِ أو جعلكِ تكتبين أسبابًا ليست حقيقيَّة.
فإذا عَرفتِ الأسبابَ، فسيَسهُلُ عليكِ العِلاجُ بإذن الله.