[ الحَلقةُ الرَّابِعَـة ]
- - - - - -
لَمَعَـت في ذِهنِ الزوجةِ فِكرةٌ تُرضِي بها زوجَها المُغتاظ ، وتُنسيه
طَبَقَ السَّمَـك الذي أحدَثَ الفَجوةَ بينها وبينه ، فأحضرَت صِينيَّةً ،
ووَضَعَت عليها كًوبًا مِن الشَّاي ، وطبقًا مِن "الكُنافة" المُحَبَّبةِ إلى
زَوجِها كثيرًا ، كانت قد أعـدَّتها صباحًا بعد أن تَوَجَّهَ الوَلَدَيْن إلى
مَدرستيهما . حَمَلَت الصِّينيَّة ، ودَخَلَت على زوجِها مُبتسِمَةً ، قائلةً
له : إليكَ الشَّاي ، وانظُر ماذا أحضرتُ لَك معه ، إنَّها " الكُنافة" ،
أعلَمُ أنَّكَ تُحِبُّها ، فجَهَّـزتُها لَكَ هذا الصباح ، تفضَّـل ، تذوَّقها ،
وقُـل لي رأيَـكَ بها .
الزوجُ يتـذوَّقُ جُزءًا مِنَ الكُنافة ، ويُجِيبُها ، وكأنَّهُ لا زال يُخفِي
شيئًا مِن استيائِهِ : جميل ، شًكرًا .
ذُهِلَت الزوجةُ مِن جَوابِ زوجها ، وأطرقَت برأسِها إلى الأرض
لحظاتٍ ، ثُمَّ رفعتها ، وغادرت المكانَ ، وقلبُها يتفطَّـرُ حَسرةً
وقَهـرًا . دَخَلَت غُرفتَها ، فوَقَعَ بَصَرُها مُباشرةً على مُصحَفِها ،
كان هُناكَ على سَريرها ، تأمَّلتُه هُنَيْهَة ، ثُمَّ فتحته ؛ لِتُرتِّـلَ
مِنه آياتٍ بَيِّـناتِ ، انشرحَت لها أساريرُها ، وغَمرتها سَعادةٌ
لا تُوصَف ، حينها قالت في نَفسِها : مَن كان مع اللهِ ، كان
اللهُ مَعه ، ومَن كان اللهُ مَعه ، فقد غَنِم غنيمةً كُبـرى ، تكفيه
وتُغنيه عن الدُّنيا وما فيها . حقًّا القُرآنُ سَلْوَى المَهمُومِ ،
وأُنْسُ المَقهُور .
قامت مِن مكانِها ، وهِيَ واثِقةٌ مِن نَفسِها ، بعـد أن قرَّرَت
عَـدَمَ الاستسلامِ لليأسِ والقُنُوطِ ، وانصرفت إلى المَطبخِ ؛
لِتُكمِلَ تنظيفَهُ وترتيبَهُ ، وهِيَ تذكُرُ اللهَ وتدعُـوهُ مِن غَيرِ مَلَلٍ
ولا وَصَبٍ . وبينما هِيَ مُنهمِكَة في عَمَلِها ، دَخَلَ عليها زوجُها
حامِلاً صِينيَّةَ الشَّاي وطَبَقَ الكُنافة - وقد أكَلَ أكثرَه - وناولَها
إيَّاها ، وتَبَسَّمَ في وجهِها ، قائِلاً : سَلِمَت يداكِ حبيبتي ، كان
طَعْمُ الكُنافةِ لذيذًا جِدًّا ، حتَّى كِدتُ أقضِي عليها كُلِّها . فِعلاً
أنتِ طَبَّاخَة ماهِـرة ، ما كُنتُ أعلَمُ أنَّـكِ تُجِيدينَ صُنعَها .
الزوجةُ : بالهَناءِ والشِّفاء . الحَمدُ للهِ أنَّها أعجبتـكَ . عَلِمتُ
أنَّـكَ لا تَمَلُّ مِن أكْلِها ، فصَمَّمتُ أن أتعلَّمَ كَيفيةَ تَحضِيرها ؛
حتَّى أُغنِيَـكَ عن الجاهِزةِ التي تبتاعُها مِن المَحلَّات .
الزوجُ : فِعلاً ، الأكلُ المُعَـدُّ بالبيتِ أَلَذُّ وأطيَبُ وأسلَمُ لِصِحَّةِ الإنسان .
الزوجةُ : أسألُ اللهَ أن يُعينَنِي على أعمالِ البَيتِ والقِيَامِ بشُؤونِهِ ،
وأن يُبارِكَ لِي في وقتي ؛ حتَّى أتمكَّنَ مِن توفير كُلِّ ما تشتهونَهُ
مِن الطّعام ، بَـدَلَ جَلْبِهِ مِنَ الخَارِج .
يُرفَعُ أذانُ العِشاءِ ، فينصرِفُ الأبُ و وَلَدَاهُ إلى المَسجِدِ ،
وتتوجَّهُ الزوجةُ إلى مَخْدَعِها ؛ لِتُقِيمَ صَلاتَها ، وتَتَّصِلَ بَرَبِّها ؛
حتَّى ترتاحَ مِن عناءِ يَومٍ حافِـلٍ بالتَّعَـبِ والإرهاق .
ويأتي الَّليلُ ، ويَخلُدُ الجَمِيعُ للنَّومِ ؛ استعـدادًا للسّحور ،
ثُمَّ لِصَلاةِ الفَجر .
وها هو يَومٌ جَدِيدٌ مِن أيَّامِ رمضان المُباركَة يُهِلُّ بنُورِهِ ؛
لِتنتشِيَ النُّفُوسُ مِن نُزُولِ رَحمةِ اللهِ وبركاتِهِ . وكان ذلك
اليَومَ مُمَيَّـزًا لَدَى أفـرادِ هـذه الأُسرةِ الصَّغِيرةِ ؛ لأنَّهم .....