[ قصة زكريا عليه السلام ]
ينتهي نسب النبي زكريا عليه السلام إلى يعقوب بن إسحاق عليهما السلام.
وكان عهد النبي زكريا قريب بعهد النبي عيسى عليه السلام؛ يدل على ذلك قوله عز وجل في قصة مريم أم عيسى عليهما السلام: (وكفلها زكريا) (آل عمران:37).
وقد ورد اسم النبي زكريا في القرآن الكريم في سبعة مواضع.
وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (كان زكريا نجاراًً).
يقص علينا القرآن الكريم نبأ النبي زكريا عليه السلام عندما تقدم به العمر، وأخذ الشيب من رأسه كل مأخذ،
وكانت زوجه أيضاً قد تقدم بها السن، ولم تلد له من الولد ما تقر به عينه، ويحمل من بعده اسمه.
فها هو عما قريب سوف يطوي صفحة الأيام، ويمضي إلى حياة غير هذه الحياة. فمن الذي يقوم على وراثة حكمته، والاضطلاع بأمانته؟
وهؤلاء مواليه وبنو عمومته أشرار فجار، لابد لهم من وازع يردعهم عن غيهم، ولو خُلُّوا ونفوسهم الشريرة، فإنهم يمحون الشريعة، وينشرون الفساد، ويغيرون معالم الكتاب.
وقد عبر القرآن عن هذه الحالة التي كان يعاني منها زكريا بقوله:
( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً )(6)مريم.
قال ابن كثير: "وجه خوفه: أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً، فسأل الله ولداً، يكون نبياً من بعده؛ ليسوسهم بنبوته وما يوحى إليه.
فأُجيب في ذلك، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله، فإن النبي أعظم منزلة، وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده، أن يأنف من وراثة عصباته له".
ظلت هذه الخواطر تراود تفكير زكريا صباح مساء، وليل نهار،
إلى أن ذهب ذات يوم إلى معبد يتعبد فيه، فوجد فيه مريم عليها السلام رابضة في محرابها، غارقة في تفكيرها، ورأى بين يديها أمراً لم يعتده من قبل، حيث رأى عندها فاكهة الصيف، والوقت وقت شتاء، فينطلق سائلاً إياها: يا مريم أنى لك هذا ، فتجيبه بفطرتها السليمة، ولسانها الصادق: هو من عند الله .
( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(37) [size=39]آل عمران[/size]
عند ذلك أدركت زكريا حالة جديدة، ودخل في تأمل عميق؛ فلقد أثار هذا الحدث غير العادي في نفسه الحنين إلى الولد، والرغبة في البنين
حقاً، لقد أصبح طاعناً في السن، وهو أقرب إلى الموت منه إلى الحياة،
وحال زوجه كذلك، ولكن
أليس الله - الذي أبطل لمريم عليها السلام الأسباب الظاهرة - بقادر على أن يرزقه ولداً، يرثه من بعده في علمه وسلوكه ولم يطل التفكير بزكريا كثيراً، بل توجه إلى الله بعقل حاضر، وقلب خاشع، ولسان صادق، (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) آل عمران
وفي موضع آخر يخبر القرآن عن دعائه بقوله : ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ )(89)الأنبياء.
أظهر زكريا في دعائه أسمى ألوان الأدب مع خالقه، حيث توسل إليه سبحانه بضعف بدنه، وبتقدم سنه، وبما عوده إياه من إجابة دعائه في الماضي.
وكان زكريا أكرم على الله من أن يَرُدَّ دعوته، وأعز عليه من أن يخيب رجاءه، كيف لا وهو القائل:( قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60)
ومن ثم جاءته الملائكة مبشرة إياه: ( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7)مريم
سمع زكريا النداء، وحاشاه أن يكون غافلاً عن قدرة الله، أو يائساً من رحمة الله واستجابة دعواه،
بل أدركه الأمل والرجاء. ثم عاد فسأل ربه؛ طلباً للطمأنينة، فقال:
( قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ
وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً (8 ) مريم
فأجابته الملائكة: أليس الله -الذي خلقك من قبل ولم تك شيئاً- بقادر على أن يرزقك الولد، وإن كنت وزوجك على أعتاب الآخرة
(قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ
وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً )(9). مريم
لقد منَّ الله على نبيه زكريا بولد اسمه يحيى، بعد أن ظن أن لا مجال للولد، ولا سبيل إلى ذلك. بيد أن قدرة الله لا تخضع للأسباب، ولا تقاس بالعادات، بل ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(82) يس
انتهت قصة سيدنا زكريا عليه السلام...
تجميع وتتسيق:
( نبراس الدعوة )